للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان تاجُ القُرَّاءَ الكَفِيفُ بمدينة السَّلام أَعْظَمَ خَلْقِ الله حُنْجُرَةً، وأحلاهم تلحينًا، سمعته بدار بَهَاءِ المُلْكِ (١) إزاء المدرسة النِّظامية يقرأ: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج: ١]، فأَجِدُ أَعْضَائِي تَفَصَّلُ، حتى انتهى إلى قوله تعالى: ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: ١٦]، فظننتُ أنَّ سَقْفَ الإِيوَانِ يُنْقَضُ علينا.

وعلى الجُمْلَةِ: فإن في القوم طَبْعًا صَوْتًا، وفي هوائهم صفاءً، وفي قلوبهم رحمة (٢)، وفي أنفسهم رقة، يتميَّزون بها على (٣) أهل الجفاء والجهالة والقسوة.

وقد كان أبو بكر الصديق رقيق القلب، خاشع الجوارح، حَسَنَ الصوت، فإذا قرأ تَقَصَّفَ (٤) عليه نساءُ المشركين وصبيانُهم، حتى قالوا لحَلِيفِه ابنِ الدَّغِنَةَ: "إمَّا أن تَكُفَّه وإمَّا أن (٥) تُخفِرَ عهدك، فقال له: يا أبا بكر، اعبد ربك في بيتك ولا تتظاهر لهم، قال: بل أصرف عليك جِوَارَك وأرضى بجوار الله ورسوله" (٦)، فصرفه عليه، وأَذِنَ الله لرسوله حينئذ في


(١) بهاء المُلْكِ ابن نظام المُلْكِ، ورد ذِكْرُه في الكامل لابن الأثير، في حوادث عام ٤٨٧ هـ، عند تولية المستظهر بالله، (٨/ ٤٩٤).
(٢) في (س): وفي أنفسهم رقة، وفي قلوبهم رحمة.
(٣) في (س): عن.
(٤) التقصف: الاجتماع والازدحام، تاج العروس: (٢٤/ ٢٦٣).
(٥) سقطت من (د).
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة : كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي وعقده، رقم: (٢٢٩٧ - طوق).