للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: أن (١) الأصل الذي يَدْعُو إلى الخُصوص فاسدٌ، ولا يُبْنَى عليه.

ومنهم من قال: معناه: "وما خلقتُ الجن والإنس إلَّا لآمُرَهم بالعبادة" (٢).

والمعنى صحيحٌ؛ ولكنه تركيب لا تعضدُه العربية، ولا تقتضيه الفصاحة، والقُرْآنُ طَلَقُ (٣) العربيَّة، وبَيِّنُ (٤) الفصاحة.

والمعنى الصحيحُ في الآية (٥): ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، أي: لتَجْرِيَ أفعالهم على مُقْتَضَى قضائي، فيكون فِعْلُ العبد على مقتضى حُكْم المَوْلَى، وإنَّما يخرج فِعْلُ العبد عن حُكْم المولى إذا كان مغلوبًا، والغالب لا يَخْرُجُ شيءٌ عن حُكْمِه، وهو الله وحده، وقد فَهِمَ بعضُ الصالحين هذا الحق، فقيل له: "ما أراد الله من الخلق؟ فقال: ما هُم عليه".

والغَفَلَةُ ظنُّوا أن تفسير العبادة هاهُنَا الطاعة، ورَأَوا بَعْضَ الخلق لا يُطِيعُ (٦) فطَلَبُوا للآية معنًى غير معناها، ولو عَقَلُوا معنى ذلك وفَهِمُوا أيضًا


(١) في (س): أن الأصل يدعو، وفوقه: بخطه، أي: كذلك وُجِدَ بخطِّ المصنف.
(٢) ينظر: تفسير ابن عطية: (٨/ ٨٢).
(٣) الطُّلَقُ- بالتحريك- هو: القَيْدُ من أَدَمٍ، ومعناه هُنا: أن القرآن قَيْد العربية، وهو حاكمٌ عليها وعلى عباراتها ومُرَكَّباتها، تاج العروس: (٢٦/ ٩٨).
(٤) في (س) و (د) و (ص) و (ز): نيِّر، وضرب عليه في (ل).
(٥) هو قول الطبري: (٢١/ ٥٥٥ - التركي)، وينظر: أدلة التوحيد لابن مُخْلِصٍ السبتي: (ق ١٦٧/ ب).
(٦) في طرة بـ (د): لا يطيعون، وصحَّحها.