(ص ٤٠) أمثالها الجزر دون جهد، ولم تتغير عذوبة الماء بالبحر الملح، وقد طرز الله جانبيه بطرازين من ألفاف البساتين، ذوات الثمر والظلال، ورصعهما فيما بين ذلك بمصانع درّيّة الألوان، كأنما وضعهما الخالق جل وعلا من خيم الجنان لأقروا بالتسليم إلى ذلك، وأحالوا بالتقديم على ما هنالك، ولو عاينوا خضرة سرقسطة «١» التي حف بها من الجهات الأربع أربعة أنهار كأنما تغايرت عليها فمالت بالمصافحة والتقبيل من كل جهة إليها- لعذروا القائل:[الكامل]
نهر يهيم بحسنه من لم يهم ... ويجيد فيه الشعر من لم يشعر
ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها ... إلا لفرقة حسن ذاك المنظر
وليس هذا بموضع الإطناب، وقد عزمت أن أفرغ الفكر لكتاب أجعله بين الخصمين ميزانا، وأخلده عن الجهتين عنوانا. [الرجز]
لبّث قليلا يدرك الهيجا حمل
فأجابه العماد السلماسي كفى جوابا قول الله عز وجل (أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا)«٢» . لو لم يكن للمغرب إلا طلوعك علينا منه لصمتنا له عن كل نقيصة، وأغضينا عنه فكيف وقد ملئ فضائل، وطلعت علينا منه نجوم فوائد غير أوائل، نحن أولى بالثناء عليه من الذم، وماذا يبلغ من التكدير من رمى الحجر في اليم، وقد رأيت أن أشتغل برسالة أثني فيها على الغرائب، التي استفدناها من