وكانت جارية سمراء تحكي الأسمر البرني قدّا كأنه أنبوب، والأبيض الايزني «١» طرفا [ص ٤٠٧] تقدّ به القلوب، كأنما خلقت من ليل كله سحر، وسواد طرف ملؤه حور، ألذ من الظل للمحرور، وأحسن من اختلاط مسك وكافور، وكان سيدها قد أخذها بالتأديب، واقتنصها من البر اقتناص الظبي الربيب، واشتراها صغيرة من مولدات الصعيد، وحظي بها إنه لسعيد، ولقيت أهل التعليم، وبقيت تفهم بالإيماء فهم التكليم، حتى كانت إذا نطقت أذابت صبر الجليد، وألانت قلب الجلمد والحديد.
ومن أصواتها المشهورة:«٢»[الرمل]
بدل الطرف من النوم السهر ... حين صد الظبي عني وهجر
رشأ أودع قلبي حسرة ... وحمى عيني من الدمع النظر
وله ثغر شتيت نبته ... وبعينيه من السقم حور
بأبي ذاك حبيبا هاجرا ... لم يدع في الحب عنه مصطبر
والشعر لابن الرومي، والغناء فيه في مزموم الرمل.
وكذلك من أصواتها:«٣»[الكامل]
بان الخليط وفاتني برحيله ... خود إذا ذكرت لقلبك يشغف
تجلو بمسواك الأراك منصبا ... عذبا إذا ضحكت تهلل ينظف
وكأن ريقتها على علل الكرى ... عسل يصفى في القلال وقرقف
وإذا تنوء إلى القيام تدافعت ... مثل النزيف ينوء ثمّت يضعف