العالي، وكان نبيه المعالي، وكانت بيعته في رجب سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة، فتمت له الأمور، وتابعته البلاد فضبطها وكف عن أطرافها جور العدى وشططها، وأحسن تدبيرها، وكان سنوسيا نبيلا، رئيسا جليلا، فطنا بالصواب، لا يخطئ مواقعه، ولا يخلي من صفو المناهل مشارعه، أذكى قلبا من السراج، وأشف بصرا من الزجاج، محصنا للملك، مسكنا للفتن، مؤثرا للخير، مثمرا للجاني [أي مصلحا له] معمرا للنواحي، مصلحا لأمور الجند، منجحا لمقاصد الأمل، كانت أيامه هادئة مطمئنة، لا تنجم في دولته فتنة، ولم يزل كذلك إلى أن مات بمالقة، سنة أربع وأربعين وأربع مائة، وكانت مدته ست سنين وستة أشهر، وكلها محمودة ممدوحة ممنونة ممنوحة، كأنها أعياد، أو في جفون الزمن الوسنان رقاد، ينهل نداها سلكبا، ويجل قدر [ص ٣٦] دولتها فلا يمر بها السحاب إلا راحلا لا راكنا.
٢٧- ذكر دولة الموفّق
أبي علي إدريس بن علي بن إدريس بن علي بن حمود بن أخي المهدي، وكان ندي الندى، يفوت كربة كل سخي، وعيش زمانه كل رخي، وعزم ضاربه كل نخي، لا يتأخر جوابه عن المصطرخ، ولا تأفل أهلة شهوره الحسان ولا تنتسخ، إلا أنّ الأقدار لم تسعده بمطلعها، ولم تبعده من اجتذاب منازعتها، بويع سنة أربع وأربعين وأربع مائة، ولم يخطب له خطيب، ولا هتف باسمه داع في بعيد ولا قريب، وبقي أشهرا كان زمانه فيها بالطاعة والعصيان مستمرا، ثم ثار عليه إدريس العالي بن يحيى بن علي بن حمود المخلوع المقدم ذكره، فخلعه وقسره عليه كالليث القسورة وما خدعه، وانتزع الملك، ثم عادت دولة العالي، وما بقيت إلا أياما وليالي، ثم أتاه الموت، وأجاب الصوت، فترك منبره، ونزل المقبرة. ثم كانت: