نراح لفضل أن يكون لديكم ... فما بالكم تأبون إن كان عندنا
وإن كنتم في العدّ أكثر مفخرا ... فلا تظلمونا في القليل الذي لنا
قلت: والذي قاله ابن سعيد منقوض عليه في أكثره. أما قوله إن المحاسن مقسمة لم يقصرها الله على مكان ولا إنسان، لكن الأغلب على البلاد المشرقية التكاثر بالمزارات والمشاهد إلى غير ذلك مما ذكره فصحيح، وإنما الكثير الغالب قسم الشرق في المحاسن، ومن نظر بعين التحقيق إلى الحيوان والنبات والمعادن، وعدّ ورجّح الأكثر علم أن حظّ الشرق أوفر.
وأما قول ابن سعيد إنّ أسباب الرئاسة والرفاهية في المشرق جبّارية غالية، ومرافق المغرب أرخص وأقرب مراما. فحسبنا منه هذا القول، فإنّ المعالي غير رخيصة، ولا يخفى على ذي عقل سليم وفكر صحيح أن المدح الصريح للشرق فيما ذكره ابن سعيد، وقد كفانا الرجل (ص ٢٨) بقوله همّ البحث معه ومنا قضته فإنه فرق بيّن بين من يلبس الحرير والسمور والعتك، ويركب جياد الخيل، ويقتني الغلمان الأتراك، ويأكل لحم الضأن والدجاج والإوز والحلوى، ويتخذ الطهاة لأنواع المآكل، ويدخن بالعنبر واليلنجوح، ويتطيب بالمسك، ويدّهن بالغالية. ويفخر بعضهم على بعض بكثرة الإنفاق، ولا يقنع في شيء بالقليل- وبين من يقضي أوقاته بضد ذلك: جلّ ملابسه الصوف والقطن، وأطيب مأكله العجين والزيت والسمن وأكثر ما يفخر الرجل منهم إذا كانت له فرس واحدة، أو اقتنى عبدا زنجيا، أو علجا فرنجيا، فإن دخّن كان باللادن، وإن تطيب كان بالغسول، أو ادّهن كان بالزيت، لا يتنافسون في فخار، ولا يحصلون من دنياهم على طائل.
وأما قوله والمشارقة لهم التظاهر بأمور الرفاهية في مراكبهم ومجالسهم فإذا