كل سكان الأرض لأنهم نواب الله في أرضه وخلفاء نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته، وهو المبعوث إلى الأسود والأحمر، والقاصي والداني، وهم القومة بدينه، والدعاء بدعوته العامة، وجميع أهل الأرض ملزمون بها، من آمن منهم أو كفر، فلهذا وجب إفرادهم بالذكر، وأطلق على الجزء منهم اسم الكل، وبالله التوفيق.
وأما الملوك شكر الله عن الإسلام سعيهم، وبوّأهم المغفرة والرضوان، فإنه سيأتي ذكرهم في قسم التاريخ وهو أمسّ بهم، لأنه أكثر ما دار على ذكر أيامهم، ونوب الدهر بيّنة، وفيهم من جاهد في الله وقاتل في سبيله، وسهّد جفونه في جهاد أعدائه، وأغضّ الكفر وأماته بدائه، وضارب حتى ملّت السيوف مضاربها، وكرهت الخيل الماء وعافت بالدماء مشاربها، وحامى عن رأيه وإمامه، وواصل طلائع راياته وآرائه، وأعملوا سيوفهم وأقلامهم في تمهيد البلاد، وتوطيد الملك فناضلوا وناظروا وجالدوا وجادلوا، وفعلوا ما قدرت عليه مكنة هممهم، وظفرت به أيدي مطالبهم، وسروا السرايا لإفاضة هذه الدعوة النبوية، وإفاءة الأرض بظلال [ص ٩٢] عصائبها المحمدية، وسنذكر من هذا مما نثبته في موضعه ونبينه في مواضعه، ونبيع زهره لمطالعه، وزهره بمطالعه، ونشرح به صدر رائيه وقاريه وسامعه، فأما ما ذكرنا من بني إسماعيل، فإنما أردنا به في النسب الشريف النبوي زاده الله شرفا اتصال سببه وإيضاح كيف كان نور مظهره، ليعرف تقدم آبائه في النسب اللباب، وخروج درته اليتيمة من قرارة ذلك البحر العباب.
وهذه الدّولة العبّاسيّة
سقاها الله صوب رحمته، ولقاها نضرة نعمه، وأول ما نبدأ بذكر العباس بن