اعلم أن الأرض جسم بسيط قام البرهان على أن طبعها بارد يابس، وهي كما زعموا متحركة إلى الوسط. وزعموا أن شكل الأرض قريب من الكرة، والقدر الخارج (٢١٢) محدّب، لأنهم اعتبروا خسوفا واحدا، فوجدوا في البلاد الشرقية والغربية في أوقات مختلفة، فلو كان طلوعه وغروبه دفعة واحدة، لما اختلف بالنسبة إلى البلاد.
وإنما خلقت باردة لأجل الغلظ والتماسك، إذ لولاهما لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها، وحدوث المعادن والنبات في بطنها.
وزعموا أنها ثلاث طبقات: طبقة قريب من المركز، وهي الأرض الصرفة، وطبقة طينية، وطبقة انكشف بعضها وأحاط البحر بالبعض الآخر وهي مركز الأفلاك واقفة في الوسط بإذن الله تعالى. والهواء والماء يحيطان بها من جميع الجهات. والإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض يكون رأسه مما يلي السماء ورجلاه مما يلي الأرض، وهو يرى من السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء مقدار ما خفي له من الجانب الآخر، لكل تسعة عشر فرسخا درجة. ثم إن البحر المحيط أحاط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل ناتئ عن الماء على هيئة بيضة غاطسة في الماء، خرج من الماء محدّبها، وليست منظمة ملساء، ولا مستديرة، بل كثيرة الارتفاع والانخفاض. أما باطنها فكثير الأودية والأهوية والكهوف والمغارات، ولها منافذ وخلجان كلها ممتلئة مياها وبخارات ورطوبات دهنية ينعقد منها الجواهر المعدنية. وتلك الأبخرة والرطوبات دائما في الاستحالة والتغير والكون والفساد. أما ظاهرة فإنها كثيرة الجبال والأودية والجداول والبطائح والآجام والدحال «١» والغدران، وفيها منافذ