لو أدركه عبد المؤمن لأخذ عنه النوب، أو السهروردي لعلم أنه سهوردي، وما حصل من العلم معه إلا على اسم الطرب، لو حضر مجلس ابن المهدي لتيقن أنه ما اهتدى، أو ماثل ابن بانة لما مال غصنه متأودا، أو لو طارح الأمير ابن طاهر لود أن يكون من عدته [ص ٣٤٠] أو الهذلي لأقرانه لأقصر عن مداه، إلا أن طائفة تغض منه غض الحاسد، وتريد أن يكون لها مثل سيفه الخالدي، وهيهات إنما يضرب في حديد بارد، وتظن أنها من أقرانه ولكن من هو من أقران خالد، لو كان في زمانه سميّه خالد بن عبد الله القسري «١» لبادر العيش وانتهب، أو عاصر سميّه الآخر خالد بن يزيد الأموي «٢» لعلم أن صنعة الطرب والغناء أجدى عليه من صنعة الكيمياء والذهب، فقد خلّد له ذكرا، وخلف له ما يحتاج سامعه معه شكرا، وأبقى له ما إذا ذكرته به لا أزيد عليه شكرا، ومن أصواته:[البسيط]
ردّوا على مقلتي النوم الذي ذهبا ... وخبّروني بقلبي أيّة ذهبا
علمت لّما رضيت العيش منزلة ... أنّ المنام على عينيّ قد غضبا
إني له عن دمي المسفوك معتذر ... أقول جملته من سفكه تعبا
هل تشتفي منك عين أنت ناظرها ... قد نال منها سهاد الليل ما طلبا
ماذا ترى في محب ما ذكرت له ... إلا بكى أو شكا أو جنّ أو طربا
ترى خيالك في الماء الزلال إذا ... رام الشراب فروّى منه ما شربا