قال ثعلب: وكان الفرّاء يجلس للناس بمسجد إلى جانب منزله، وكان الواقدي ينزل بإزائه. قال: وكان الفرّاء يتفلسف بالتفاته وتصنيفاته حتى يسلك في ألفاظه كلام الفلاسفة. وكان أكثر مقامه ببغداد، وكان يجمع طوال دهره، فإذا كان آخر السنة خرج إلى الكوفة فأقام بها أربعين يوما في أهله يفرق فيهم ما جمعه ويبرّهم. قال النديم: ولم يؤثر من شعره غير هذه الأبيات، رواها أبو حنيفة الدّينوري:[الخفيف]
يا أميرا على جريب «١» من الأرض ... [له] تسعة من الحجّاب
جالسا في الخراب يحجب فيها ... ما سمعنا بحاجب في خراب
لن تراني لك العيون بباب ... ليس مثلي يطيق ردّ الجواب
وتوفي بطريق مكة سنة سبع ومئتين.
ومنهم:
١١- سعيد بن مسعدة المجاشعي
بالولاء، النحوي البلخي أبو الحسن الأخفش الأوسط «١٣» ، أحد نحاة البصرة، محكم أواخي ومحكم تدنّ في زمن متراخي، فقام بالأعباء وقال بلا إعياء، فأخرس ألسنة لدّا، وأنطق أسنة ملدا «٢» ، وقد كان في بلهنية شبابه، وزمان نفاق رتبه على أحبابه، قد أتعب نفسه حتى أراحها، وجنى من المأساة أفراحها، وكانت أيامه محلاة الأطراف لمعانيها محشاة الأصايل بما تنير عليها الشموس من معادنها. كأنما غمز الحبايب أو إيماء العشاق بالحواجب.
ولم يكن في لياليه ما تعاب به غير تقاصرها، ولا في أيامه ما تعاف له إلّا قلّة تناصرها، مع