وأمّا من حفظ ألسنة العرب. وسعى في تحصيل لغاتها واضطرب فأعلام لا تخفى، وسرج لا تطفى. فأمّا من كان منهم بالجانب الشرقي، ممّن غبر منهم وبقي، فمنهم أبو الحسن النضر ابن شميل التميمي المازني النحوي البصري، عالم قلّما بقوته، وعادم نضير لا يسع مناظره إلا خفوته، سلك لغة العرب فذلّل مطاياها، وقلّل بالنسبة إليه عطاياها. ترع الثنايا، وطلع شعاب الأماني قبل المنايا، فأصاب الرمية، وصال في لسان الأمّة، فجمع الغرائب، وجرع في مناهل الرغائب، حتى توفّر قيسمه، وظفر فوق الأسماء اسمه، وأصبح باللغة قيّما، وأبكار الكلم يعرض عليه بكرا وأيّما «١» .
قال ابن خلّكان «٢»
: كان عالما بفنون من العلم صدوقا ثقة، صاحب غريب وفقه ومعرفة بأيام العرب، ورواية الحديث، وهو من أصحاب الخليل بن أحمد وذكره أبو عبيدة «٣»
، وقال: ضاقت عليه المعيشة بالبصرة فخرج يريد خراسان، يشيّعه من البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل ما فيهم إلّا محدّث أو نحوي، أو لغوي أو عروضي أو أخباري. فلمّا صار بالمربد جلس، فقال: يا أهل البصرة يعزّ عليّ فراقكم، وو الله لو وجدت كل يوم كيلجة «٤»
باقلّاء ما فارقتكم، فسلّم فيهم أحدا يتكلّف له ذلك، وسار حتى وصل خراسان فأفاد بها مالا