وتوفي بالريّ سنة خمس وسبعين وثلاثمئة، وقيل سنة سبعين، وقال ياقوت سنة تسع وتسعين.
ومنهم:
١٩- أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري «١٣»
أنس بالقفار واجتنى كلّ خلوة، قرّب لغة العرب وآنس منها ما اغترب، وكفى شرّ ألّا يجاحّ «١» ، وجاء بما لا ينكر للجوهري من الصحاح. هو الذي فاق سعادة جدّه، وأمات ذكره كل كتاب في جلده. لم يسبق إلى وضعه، وما أتى فيه من صنعه لما أتى به فيه من حسن الترتيب وقرب المأخذ في التبويب، فجمع في الأمور ملاكها، ومن لغة الجمهور أسلاكها، وهو اليوم مرادّ الأمل ومراد العمل، وشهرته وافية بذكره، كافية في شكره. يعتّق منه الألوة «٢» ، ويشرق المحاسن المجلوة، ولا تتميز قيم الفرائد ما لم تكن منسوبة إلى صحاحه، ومحسوبة فيما وسم بصلاحه فلو دعا الأصمعي لعذر مثله في السرد، أو انتظمت أقوال النظّام لأنبت به الجوهر الفرد.
وهو من أعاجيب الدنيا ذكاء وفطنة وعلما. وأصله من الفاراب من بلاد الترك. وكان يضرب به المثل في اللغة وفي حسن الكتابة، ويذكر خطّه مع خط ابن مقلة ومهلهل واليزيدي. وكان يؤثر الغربة على الوطن، ودخل بلاد ربيعة ومضر في طلب الأدب، وحين قضى وطره من قطع الآفاق، والأخذ من علماء الشام والعراق عاود خراسان، فأنزله أبو علي الحسن بن علي الكاتب عنده، وبالغ في إكرامه ثم سكن نيسابور يدرّس ويؤلف ويعلّم