ذكي الفطنة، زكي الفطرة، وقّاد القريحة، نقّاد المعاني الصحيحة، لطيف المحاضرة، خفيف المجالسة. يقع على نادر المعنى، لكنه ربما أتى بمساكن بلا مغنى، إذ كان مستوشل المواد، مستوحش الجواد، لا دربة له بممارسة، ولا رغبة تقدمت له في مدارسة، اعتمادا على ضياء حسه، وصفاء جوهر نفسه. مركب أعاريض الشعر، ولا يلحج في بحاره، ولا يدلج ليله قبل تبلج أسحاره. وخدم في الدواوين زمانا، ثم في الجيش بصفد خدمة أخذ بها الرامح من قلبه أمانا، وكان يجيد حلّ المترجم ويبيّن ما أسرّه قلم كاتبه وجمجم، بفهم إلى قراءته، يسارعه كأنه واضعه متى نظره قرأه لا يتوقف، كأنه هو الذي كتبه وسطره. ومن شعره:[الطويل]
وذي شنب مالت إلى فيه شمعة ... وعادت إلى رجليه عن شفتيه
وقالت: بدا من فيه شهد فهزّني ... بذكر لأوطاني فملت إليه
فحالت يد الأيام بيني وبينه ... فعفّرت أجفاني على قدميه
ومنهم:
٥٨- محمد بن سباع الصائغ، الدمشقي، أبو يوسف، شمس الدين «١٣»
صائغ لا غشّ في ذهبه، ولا غلّ في أدبه، ولا غب لزيارة سحبه. قطف غضّ البلاغة، وجاء بالكلام كمال يقال: صاغه صياغة. وما كان ابن سباع إلا وهو شبل قسورة، ولا نعت بالشمس إلا لأن الليالي كانت به مقمرة.