مطرب لو غنى للجهام لهتن، أو للسالي الغرام لأثار له الفتن، بضرب أشجى من الورقاء، وأشد حنينا من قلب المحب للقاء، لو سمعته صخرة الوادي لتفجرت، أو مقلة القاسي لجرت، وله أصوات منها:[الكامل]
سترت بنفسج صدغها بنقابها ... وحمته بالتطريف من عنابها
بدوية ألفاظها ولحاظها ... والروم تستولي على أنسابها
شرق «١» الجمال بحمرة في خدها ... خجلا فكاد يفيض ماء شبابها
والشعر لأبي الوليد أحمد بن محمد البخاري، والغناء فيه مزموم الرمل. قال ابن ناقيا: أنشدني إياه عنه أبو محمد الحسن بن سهل بن خلف، شيخ من مشايخنا، مليح العارضة والمحاضرة، قد لقي جماعة من العلماء، وروى عنهم الأحاديث والأسانيد، وكان قد صحب الإخوان، وعرف الزمان وحلب الدهر أشطره وأتلف باللذة تالده في معاشرة من عاشره، حتى سلب الشيب غرامه، وجلله ثغامه، فأيقظ حلمه، وألقى بين عينيه غرمه، فكان يحضر مجالس الأنس تعللا، لاحظ له في غير السماع والمشاهدة والمحادثة والمناشدة، فبينا أنا وجماعة [ص ٢٧١] من أبناء الأدب، حضور عند بعض الرؤساء على مذاكرة ومعاقرة، والشيخ قد انتظم في سلك اجتماعنا، ونثرت الأغاني عقودها في أسماعنا، قال الشيخ: بيوم من أيام الشبيبة، وقد حضر مجلسا كمجلسكم هذا، آهلا من الأدب والطرب، وطرأ إلينا أبو الوليد البخاري، فأخذ في شأننا، ولم يأل في إنشادنا، وكان مطبوع الخلق، محتملا للدعابة، فقلت له مازحا: دعنا من أقطاعك الباردة، فقال: هل لك في الإنصاف؟ فقلت: أجل، فأنشد أبياته المذكورة، وقال: أمن الشعر البارد هذا؟ قلت: لا والله، وجعلت أعتذر إليه،