توشّح بالأدب، وترشّح للطلب، واقتنى الجواري وأخذهنّ بالإحسان، وألقى عليهن الأصوات، وأبقى لهن حياة في الأموات، ولم يكن يذكر بالغناء إلا جواريه، ولا يظهر، ولو فعل لم يكن أحد يباريه، وإنما كان كلفا بالشعر والإحسان [في] قريضه، ومحاسن تصريحه وتعريضه، وهو فرع من تلك الغضراء، وبقية من تلك الدولة الغراء.
قال أبو الفرج، قال جحظة: كان المعتضد [يغنّى] بصوت لشاجي، فأرسل إلى عبيد الله يقسم بأن يأمرها بزيارته، ففعل، قال جحظة: فحدثني من حضر من المغنيات ذلك المجلس يخدمون المعتضد، قلن: دخلت علينا، وما منّا إلا من يرفل في الحليّ والحلل، وهي في أثواب ليست كأثوابنا، فاحتقرناها، فلما غنّت احتقرنا أنفسنا، ولم يزل كذلك حالنا إلى أن صارت في أعيننا كالجبل، وصرنا كلا شيء، قال: ولما انصرفت أمر لها المعتضد بمال وكسوة، ودخلت على مولاها، فجعل يسألها عن خبرها وما استطرفت مما رأت، وما استغربت مما سمعت، فقالت: ما استحسنت هناك ولا استغربته من غناء ولا غيره، إلا عودا محفورا من عود، فإني استظرفته، قال جحظة: فما قولك فيمن دخل إلى دار الخلافة فلم تمتد عينه إلى شيء استحسنه إلا عودا.
قال بعضهم: كنت عند عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وعنده أخوه محمد