رجل كشفت له البصائر، وأزلفت له المصادر، فعمل لدار القرار، وعجّل البدار للاستقرار، وقدّم لجنّة طالما تسوّق لنزلها، وتشوّق إلى كرم منزلها، وهام بها وتاه، وقام في طلبها فواتاه، فقلبته في نعيمها، وقلّدته تقليد زعيمها، وقالت: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ
«١» ، وقدمتم فأصبتم، ولم يزل يخطم الآمال، ويحطم المال، حتى آن له الأوان، وحان أن يدعى إلى الجنّة ورضوان، فطاب مضجعا، وقدم مقدما ومرجعا.
وكان شيخا ساذجا، كبير التواضع، دائم الذكر، دائم التوجه، عاريا عن التكلّف والتصنّع، عارفا بالله، صاحب أحوال ومكاشفات. امتحنه جماعة من أعيان الناس في أمر المكاشفات، فكان يأتي بها أسرع من رجع البصر. وعظم شأنه في آخر عمره، وقصده الناس رجاء بركته.
وكانت له زاوية يمدّ بها السّماط للواردين والمقيمين، وكان علماء الوقت مثل ابن الفركاح، وابن الوكيل، وابن الزملكاني، يعظّمونه، ويترددون إليه، ويثنون عليه، ويصفونه بالصلاح والولاية، ويبالغون فيه إلى الغاية.
وحدّثني صاحبنا ناصر الدين محمد بن الفارس المعروف بالحاجبي: توفي يوم الثلاثاء عاشر المحرّم، سنة أربع وتسعين وستمائة «٢» ، بقرية منين، ودفن بها.