فإن وزن الحصا فوزنت قومي ... وجدت حصاة ضربتهم رزينا
قال: السامع إذا فهم أن الشاعر أراد المفاخرة برزانة الحصا، وعرف وعرف القافية والروي علم آخر البيت.
ومنهم:
٣- أبو عثمان الجاحظ «١٣»
واسمه عمرو بن بحر بن محبوب. بحر البيان الدافق ولسان الإحسان الناطق. المتكلم في كل شيّ، المقدّم في بابه على كل ميت وحيّ، الذي أدخله أرباب كل علم فيهم، وأطلعه أهل كلّ فهم قمرا في دياجيهم، الحكيم المطلق، والعميم المعرفة في اللغة بكل ما به ينطق.
الناقل لما يصدق، والنافل لما يحقق، والمملي لكل ما يعلق، والمولي من متن البيان ما لا يخلق. كأنما تصانيفه للأفهام مفاتيح أقفال، وفي دجا الأوهام مصابيح تشب لقفال. وله في البيان والتبيين أوضح النهار إذ يبين.
عجّل إلى الفضائل فما راث، وسبق الأوائل بلا اكتراث. مرّ على المجرّة فورد شطوطها، وكرّ على النيرة فمحا خطوطها. وهجم على الفضائل وأتاها منبتا وأخذها مصبحا ومثبتا؛ فملأ جوانح الغمام أوارا، وصاغ البدر التمام تاجا والهلال سوارا، بنبوغ حطّم به الجوزاء فكسر غرسها، وصاد طيور الفراقد ووزع ريشها؛ هذا إلى توسع في كل فن، وتحقيق لكل ظنّ بخاطر.
طالما قرع الفولاذ، وتهادى تهادي العروس في الملاذ. وكان لا يزال ليله مبصرا، وسيله لا ينثني مقصرا. ولم يبق علم لم ينظر فيه نظر المتبصر، ويجتهد له اجتهاد من لم يقصر؛ فلم يسأل عن شيء إلا كان به أدرى، ولم يبق طائفة أحق به من الأخرى. وقال فيه القاضي