إلا مرحلة يقطعها وسوط مطية تمتد به أذرعها، فهاجه قرب الدار إليه شوقا، وطار به إليه سوقا، فصنع لحنا من شعر الحسين بن مطير:«١»[الطويل]
ولما تنكبنا الكثيب وأطلعت ... لنا السدة العلياء قلت لصاحبي
ألا فانشرح صدرا فلم تبق بيننا ... وبين المنى إلا كناخة راكب
ورفع ببيتيه عقيرته تغنى في النداء، وصاغه بين غناء الركبان والحداء، وسمعها في النفر من منه حفظها، وأداها كما منه تلفظها، فما أتى وضيح باب محمد بن عبد الرحمن إلا وقد سبق بها الخبر إليه، كأنما ألقتها الريح في أذنه، فحين دخل عليه، قال له: لينشرح صدرك، فلم يك قد كان بقي بينك وبين المنى إلا إناخة راكب، فهات الآن ما صنعت، فاندفع يغنّي فيه، ومحمد بن عبد الرحمن يميل حتى كاد يسقط عن السرير، ثم عجل له بتخت من القماش، وثلاث مئة من الدنانير.
١٦٩- ومنهم- ابن سعيد كامل
أثمرت بالسرور أنامله، وتم تمام البدر كامله، وشغل أوقاته بالطرب، فجاءت طيوره سانحة، وجادت له بالأيام مانحة، ولزم المؤيد هشاما، وقد وطئ البلاد بهيبته، وسر البلاد بأوبته، وكان في عنفوان ملكه كجده هشام بالشام، وقد بسط ظله على الأنام، وأجار بعدله من الأيام، وكان يحضر مجلسه الخاص حيث يكون رواق الليل سجافه، ورقيب السمع سميه، وبطون الجواري سريره، وكان منه بالايحاشى، ولا يجد منه إيحاشا، وكان يدخل على جواريه [ص ٣٩٠]