رمضان، سنة اثنتين وأربعين وخمسمئة. وعندي ما ذكره ابن خلكان في مدة عمره نظر؛ فإنه قلّ أن يبلغ أحد هذا المدى من العمر في زماننا الأخير، الواقع في خطّه العمر القصير «١» .
ومنهم:
٣٢- ابن الخشّاب «١٣» عبد الله بن أحمد بن أحمد
النحوي، تنكرت المعارج حتى أزاح شهبها، وأزال سمومها، وأزار الألباب نزهها، ففتح المغلق وأقاد الصعاب وأفاد الصحاب. وكان ندى يتفجر لآلا، ولا تعرف أيامه زوالا. وشقّ البحر وراءه والتطم، وبلغ السيل آثاره وارتطم. ورجع خلفه السحاب بغيظه محنقا، والبرق بناره محرقا. فما نهنه «٢» في طلب، ولا رهزه لطرب، إلى أن فصّل عليه الكفن. ولم يشك أن ضافيه للشمس قد دفن.
قال صاحب بغية الألباء: كان غاية في الذكاء والفهم، آية في علم العربية خاصة، وفي سائر العلوم كافة. ورأيت قوما من نحاة بغداد يفضّلونه على أبي علي الفارسي. زعموا أنه كان يعرف ما عرف أبو علي، وزاد عليه في علم الأدب وغيره؛ لتفنّنه في جميع العلوم. قد سمع حديث النبي- صلى الله عليه وسلّم- وأكثر تفهّمه، وعرف صحيحه وسقمه، وبحث عن أحكامه وتبحّر في علومه. ورأيت بخطه كثيرا من كتب الحكمة. وكان حسن السيرة، سالكا طريقة الأوائل في هديه وسمته؛ لا يتكلف في شيء من أمر ملبوسه