وهيئته. وإذا سمعت كلامه ظننته عاميّا لا يفقه شيئا.
وكان مع ما شاع من فضله مشتهرا بلعب الشطرنج. وكان رؤساء زمانه ووزراء وقته يودّون مجالسته، ويتمنون محاضرته، فيتركهم ويمضي إلى حريف «١» له زنجي قبيح الصورة سمج الألفاظ، يعرف بشنشل، فيجلس معه على قارعة الطريق في بعض الدكاكين، ويلاعبه ويسافهه، ويهزأ به، أو يمضي إلى الرحبة أو شاطىء دجلة فيقف على الخلق وأرباب الحكايات والشعبذة وما ناسبهم؛ فكان إذا لاموه على ذلك يقول: إنه يندر منهم نوادر لا يكون أحسن ولا ألطف منها، وصحة قرائحهم وتصدّيهم لما هم بصدده.
وكان مع ذلك لا يخلو كمّه من الكتب وأنواع العلوم. فكان بينما هو يمشي في الطريق يخطر له قراءة شيء، فيجلس كيف اتّفق، ويخرج الدفاتر فيطالع فيها. وكان يعتم العمّة فتبقى أشهرا معتمة حتى تتسخ أطرافها من عرقه فتسودّ. وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق. فتارة عدّيتها تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه وتارة عن شماله فلا يغيّر.
فإذا قيل له في ذلك، قال: ما استوت العمّة على رأس عاقل، هذه كانت حجته. وكان الوزير ابن هبيرة «٢» يلومه على تبذله فلا يلتفت إليه، ولا يتغيّر عن سجيّته. وما حلّت عليه ودام لا يصغي للائم، ولا ينقاد لمناف ولا ملائم. ومن نوادره [أنّ] بعض من كان يحضر مجلسه، قال له يوما: القفا، يقصر، أو يمدّ؟ ومنها: أن الكمال عبد الرحمن الانباري لمّا صنّف كتاب (الميزان) في النحو، وعرض على ابن الخشاب، قال: احملوا هذا الميزان إلى المحتسب ففيها عين «٣» .
ومنها: أنه كان يوما في داره في وقت القيلولة، والحرّ شديد وقد نام؛ إذ طرق الباب عليه