طرقا مزعجا، فانتبه وخرج مبادرا، وإذا رجلان من العامة، فقال: ما خطبكما؟ فقالا: نحن شاعران، وقد قال كلّ منّا قصيدة. وزعم أنها أجود من قصيدة صاحبه، وقد رضيناك.
فقال: لينشد أحدكما. قال: فأنشد أحدهما وهو مصغ إليه، فلمّا فرغ منها همّ الآخر بالإنشاد. قال ابن الخشاب: على رسلك، شعرك أجود. فقال: كيف خبرت شعري ولم تسمعه؟ فقال: إنه لا يمكن أن يكون شيء أنحس من شعر هذا.
قال أبو محمد بن الخشاب: خرجت من الحلّة «١» السيفية قاصدا زيارة مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان في الصحبة رجل من سكّان المشهد يعرف بابن الشوكية، علويّ، فنزل بنا على بطن من خفاجة؛ ليستصحب معنا منهم خفيرا. فأكرموا نزلنا، وجاء منهم في الليل صبيّ، ما أظنّه بلغ سبعا، وعليه آثار مرض قد نهكه، فسلّم علينا. فقال له العلوي: ما بك يا فلان؟ وسمّى الصبي. فقال مجيبا له: في أنّ لي مدّة أجهد وأمعد، يريد بأجهد، أفعل، من قولك: رجل مجهود، من جهد الحمّى. وأمعد، أن يصيبني وجع في المعدة. فقال: معّد، فهو ممعود، كما يقال: كبد فهو مكبود، إذا أصاب كبده مرض. وكذا:
فهد فهو مفهود. وباقي الأعضاء.
وكذا يقال فيمن أصيب هذا العضو منه برمية، فقال: أميديّ أم مرجول، أي: أصيبت يده أم رجله. فتعجبت من فصاحة الصبي.
وكان في الرفقة شيء من أهل المشهد، فسمعته، وقد أعيا من السير يقول لعبد له: يا مقبل فرّكني. فقلت لبعض من معنا: ما معنى قوله فرّكني؟ فقال: يريد اغمزني ليزول تعبي. فقلت: لا إله إلا الله، خالق ذلك الصبي وهذا الشيخ واحد، فكم بين اللسانين والسنّين.
وكان أبو محمد يؤدب أولاد المستنجد المستضيء، وأخاه الأمير أبو القاسم، فكان يشدّ