وأنا خائف منه- على صحبتي له-، فلما دخلت عليه رأيته مبتهجا لي، فطلع إلي وقد كاد يسطو علي لأجل ابن تيمية، وقال لي: يا صدر! أنت تريد تعاند القدرة في ابن تيمية؟ وكلما رفعه الله تريد أنت أن تضعه بيدك، والله ما تريد إلا من يخرجك من الشام، ويحبسك في الاسكندرية، ليكف شرك. قال: فخرجت وأنا في غاية الخوف والوحشة، وتوجّهت على الفور إلى الشيخ عثمان، فما لحقت أكمل السلام عليه حتى قال لي: بئس الصاحب صاحبك، يعني الأفرم، والله يا صدر الدين! ما هو يا صدر كما قال لك، ما يريد يعاند القدرة إلا هو، والله ما يخرج من الشام ويحبس في الاسكندرية إلا ابن تيمية.
قال: فسرّي عني ما كنت فيه، وبت عنده تلك الليلة، ثم عدت، فلم أصل إلى بيتي إلا ورسول الأفرم قد أتاني، فجئته، فقال: يا صدر الدين! أنت رجل صالح، عمل نفسك في ابن تيمية، وقد جاء مرسوم السلطان بطلبه، وعزمي أن أدفع عنه، وأشتهي أن لا تحرّكوا أنتم ساكنا ليدفع عنه الشر، لعلّ تصطلحوا، فيزول ما بينكم، ثم لم يمض- والله- الأيام حتى لم يكن بدّ من تجهيزه، وحبس بمصر والاسكندرية، وجاء الأمر كما قال الشيخ.
وتوفي سنة ثمان وسبعمائة رحمه الله تعالى، ورضي عنه.
ومنهم:
٧٤- محمّد بن إبراهيم الأرمويّ «١٣»
مشيّد بيت وأبيات، وصاحب أناشيد وتلاوة آيات، سكن الشام فاخضرّ واديه، وابيضّ بكرم أياديه، وتفجّرت أنهاره مثل قريحته، وطالت غرة جبهته مثل لألاء صبيحته، وسكن بزاوية ابنه بسفح قاسيون، فسقى السفح، وعامل ساكنه بالرحمة والصفح، فظهرت به من سرّ أبيه- رحمه الله- خفايا، وطلعت من الزوايا خبايا.