فأما مصر فإنها وإن حوت الجماهير، وجمعت المشاهير، فإن أفراد أهل الغناء بها أقل من وجود الصديق، وجود الزمان الخالي من الترنيق، ومنهم أناس سنذكرهم وتعرفهم ولا تنكرهم.
١٨٢- ومنهم- ناطقة جارية الزّاعوني «١»
جارية تفتك بالمهج، وتقبل ولا إثم عليها ولا حرج، هزّت من قدها رمحا، وسلّت من أجفانها سيفا لا يعرف صفحا، فملكت القلوب عنوة، وأنست الهوى المغلوب علوة، وكانت في أفق الدور الأموية شمس صباحها وبدر صباحها وكأس شمولها، وقصارى مأمولها، إلى أن غلبت الأهواء، وأعلت وأغلت الدواء، وأضحت تجاور في قتل أهل الغرام بها عودا إلى أن ينطلق له لسان، ولا يسفك بمثل إشارته دم إنسان، وكانت أيام الإخشيد تغشى مجلس ابن الفرات، وتحاور منه في جانب النيل الفرات، وكان يصلها بالمواهب، ويقدمها على كل مواظب، ثم قطعها أيام المعز، وكان لها لا يبزّ.
ومن أصواتها المشهورة:«٢»[الطويل]
إذا كنت ذا تعس جواد ضميرها ... فليس يضير الجود إن كنت معدما
رآني بعين الجود فانتهز الذي ... أردت ولم أفغر إليه بها فما
ظلمتك إن لم أجزك الشكر بعدما ... جعلت إلى شكري نوالك سلما
وإنك لم تترك يداك ذخيرة ... لغيرك من شكري ولا متلوما
والشعر لمسلم بن الوليد، والغناء فيه في مزموم الرمل.