وكان رجلا أوّابا، وعجلا إلى الله توّابا، ومحسنا ما عرفت له أساءه، ولا ألفت منه إلا عباده، أشهد عليها صباحه ومساه، وله عقب نعم ما أعقبه سلف، وأبقاه ماض من خلف منه أي ابن منجب، وولد متواضع للفقراء معجب.
ومن كلامه:
[فصل يتعلق بالسماع]
قال: افتقار السماع إلى الوجد، افتقار الصلاة إلى النية والقصد، فكما لا تصح الصلاة إلا بالنية والقصد، كذلك لا يباح السماع إلا بالوجد، فمن كانت حركته في السماع طبيعية، كانت نشوته به حيوانية، ألا ترى أن كثيرا من الحيوان ينشأ له حال غير المعتاد عند سماع المطربات، وقوة حركة لسماع طيّب النغمات، فمن كان هذا السماع الحيواني في ذلك أقصى أربه، وكان مقصورا فيه على هواه ولعبه، وهو سماع الطبيعة لا سماع الأرواح، فجدير أن يجتنب فإنه يستعمل الطبيعة [ويجرّ إلى الوقوع] في غير المباح.
والسماع الذي اختلفت فيه الأقوال إنما هو سماع أهل المقامات والأحوال، فمنهم من أباحه على حكم الاختصاص، ومنهم من جعله زلة الخواص، ومنهم من توقف ولم يجد إلى إقامة الدليل على كلا الأمرين نشاطا، ورأى الاستغفار منه إذا قدر له الحضور فيه احتياطا، فهو متردد في أمريه، فتركه لمثل ذلك أولى، ولم يرزا على من حضره من السلف، لكن لم ير نفسه بحضوره أهلا. فهذه جملة اقتناعية مما قيل فيه، ونبذة لعلّ من تأملها تكفيه. «١»
إذا حرك الوجد السماع إليكم ... يباح وإلا فالسماع حرام
ومن هزّه طيب استماع حديثكم ... ومال من الأشواق ليس يلام
ولا عجب إن شتت الحبّ جمعه ... فليس لأحوال المحب نظام
يسير مع الأشواق أين توجهت ... وليس له في الكائنات مقام
ولا غرو إن ضلّت مذاهب عقله ... فإن مقام العز ليس يرام
حمى لا سبيل أن يباح مصونه ... وكل الورى طافوا عليه وحاموا