الفصل الثاني في الإنصاف بين المشرق والمغرب على حكم التحقيق
[خطا الأطوال والعروض ... الشرق والغرب أمر نسبي]
والذي نقوله على سبيل التحقيق أنّ الذي صوّر في لوح الرسم على ما رسمه صاحب (ص ٢٣) جغرافيا قسمة المعمور على قسمين، شرقي يلاقي فيه خطان وهميان في الطول والعرض على زوايا قائمة، وهما خطا الأطوال والعروض سمّوا ملتقى الخطين حيث انفرق المعمور على قسمين بقبة أرين، وهو وسط خط الاستواء الخارجة عنه الأقاليم إلى الشمال، والمقدّران بإقليمين إلى جهة الجنوب، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في مواضع في هذا الكتاب «١» ، فلما قسم المعمورة بقسمين وقع في الغربي منها أشرف البقاع: مكة والمدينة والقدس، والطور ومصر وطور سينا، والمواضع المذكورة بصريح الاسم في القرآن والمدائن المذكورة في الحديث المشهور على قائله أفضل الصلاة والسلام. وأجلّ الأقاليم الغربية كفارس والعراق والشام وجزيرة العرب، ولم يبق للشرق بقية يباهي بها المغرب، على أنّ الأمر ليس كذلك، والله أعلم. فإنّ كلا من الشرق والغرب من حيث هو أمر نسبي، ألا ترى أنّ أهل إفريقية يعدون برّ العدوة غربا، وبرقة شرقا، وأهل برقة يعدّون إفريقية غربا ومصر شرقا، وأهل مصر يعدّون برقة غربا، وأهل الشام شرقا، وأهل الشام يعدّون مصر غربا، والعراق شرقا، وهلمّ جرّا إلى نهاية المشرق، فتبيّن حينئذ أنّ قول الشرق والغرب أمر نسبي، وإذا تبيّن هذا، وقد تقرر أنّ العالم كروي «٢» ، وأنّه لا يمتنع أن يكون ما انكشف عنه الماء من الناحية الأخرى مسكونا صار مشرق هذا العالم مغربا لتلك الجهة ومغربه مشرقا،