أبو الحسين النحوي المصري العراقي المحتد. رجل محتد ذكي الألعبة زكي اللوذعة «١» .
سديد النظر شديد الرأي المحتضر. دنا من مجالس الخلفا، ووسع لتقريبه محالّ الاصطفا.
وكان من وراء الخلفاء الجليس، الذي لا ينافس في دنوّ محلّ، ولا يناقش في إبرام عقد ولا حلّ؛ حتى كان فردا للنظرا، وقياس الآراء والمخصوص بخصب الجناب وقرب المحل قبل ابن الخبّاب. هذا إلى ما وكل به من تهذيب الكتب وتذييب تلك الأعلام الكثب. مع شيء قديم ومرمى قويم، ومال موروث وثرا، ومال منه فضل للفقرا، وكان جدّه جوهريا من بغداد.
قدم مصر تاجرا فسكنها، وكان متولى بتحرير الكتب الصادرة عن ديوان الإنشاء بمصر في الدولة المصرية. وله رزق سنيّ على ذلك، وعلا التصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص. ثم إنه في آخر عمره تزهد وانقطع في غرفة بالجامع، واشتمل على العبادة. وهو شيخ محمد بن بركات السعيدي اللغوي المتولي بعده لوظيفته. وقيل بسبب تزهده أنه كان له قط يأنس به قد ربّاه أحسن تربية، وكان طاهر الخلق لا يخطف شيئا ولا يؤذي، وأنه اختطف يوما من بين يديه فرخ حمام مشوي فعجب له، ثم عاد به لحظة فخطف فرخا آخر، فذهب فتبعه إلى خرق في البيت، فدخله وقفز منه إلى سطح قريب وقد وضع بين يدي قط هناك، فتأمل الشيخ القط فإذا القط أعمى مفلوج فخصره قلبه، واتعظ بذلك وتزهّد، وضمّ أطرافه وباع ما حوله. فبقي كذلك مدّة ثم خرج ليلة إلى سطح الجامع في بعض الطاقات، فسقط ميتا، وأصبح ميتا شهيدا وذلك في سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وقيل بعد ذلك.