للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم:

١٠- أبو زكرياء يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي الديلمي الفرّاء «١٣»

الكوفي، روى العطش وأورى الغطش «١» ، وكان يبكر إلى العلم والليل ما نصل خضابه، والظل ما رشف من ثغور الأقحوان رضابه، ويواصل على هذا الاجتهاد أزمنته ويفرج بهذا الجهاد أزمّته؛ انفرج عنه صدر النهار، واندفق به سيل النضار وطال ظلّ منتابيه «٢» ، وقال مادحه لا يحابيه، ثم أتاه أجله وجمع إليه مستعجله، ومات إلا إفاداته، ونسي إلا عاداته.

قال أبو العباس ثعلب: كان السبب في إملاء الفرّاء في المعاني أن عمر بن بكير كان من أصحابه، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل فكتب إلى الفرّاء أن الأمير الحسن بن سهل ربّما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولا، أو تجعل في ذلك كتابا أرجع فيه، فقال الفرّاء لأصحابه اجتمعوا حتى أملي عليكم كتابا في القرآن، وجعل لهم يوما، فلما حضروا خرج إليهم، وكان في المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس في الصلاة، فالتفت إليه الفرّاء، فقال له: اقرأ فاتحة الكتاب ففسّرها، ثم مدّ في الكتاب كلّه يقرأ الرجل، ويفسّر الفرّاء، فقال أبو العباس: لم يعمل أحد قبله مثله، ولا أحسبه أحدا يزيد عليه. قال ثعلب: وكان السبب في إملائه الحدود «٣» أن جماعة من أصحاب الكسائي صاروا إليه وسألوه أن يملي عليهم أبيات النحو ففعل ذلك، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض: إن دام على هذا علم النحو الصبيان، والوجه أن يقعد عنه، فقعدوا عنه فغضب، وقال سألوني القعود، فلما قعدت تأخّروا، والله لا سهلنّ النحو ما اجتمع اثنان، فأملى ست عشرة سنة ولم ير في يده كتاب إلا مرة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>