للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم:

٦٧- عليّ البكّاء «١٣»

الصالح المشهور، ما زايل الدمع حتى خدّد خديه، ونزل خاضعا لديه، وترك جياده في حلية الخد تستبق، والأرض تصطبح منه وتغتبق.

بكّاء كان لا يجف منه جفنه، ولا يخف منه أفنه، قطع عليه مدة البقاء، واتخذ منه عدة اللقاء، هذا إلى حبّ للانفراد، فسكن من قلبه الشغاف، وركن إلى خلبه للاطلاع والإشراف، حتى ثوى، ولكل امرئ ما نوى، وأمسى وهو نزيل الخليل وجاره، وفوق وكر السرحان وجاره.

قال ابن اليونيني: حكى لي المنصور سيف الدين قلاوون رحمه الله، بغزة في شوال سنة خمس وسبعين وستمائة، وقد خرجت صحبته من الديار المصرية، فلما نزل غزة استأذنته في زيارة الخليل عليه السلام، فقال لي: زر الشيخ عليا البكّاء، فإنه كبير القدر، وشرع في الثناء عليه وذكر مناقبه، فقال: لما كنا في الأيام الناصرية مع الملك الظاهر، زرته فدعا لي، وأخبرني بأمور تقع، فوقع أكثرها، وأعطاني قميصه، فكنت ألبسه تحت السلاح، فما أصابني نشاب ولا غيره وهو عليّ، وأصابني جراحات لما لم أكن لابسه، أو ما هذا معناه.

قال ابن اليونيني: فلما تسلطن الملك المنصور، وقع في خاطري أن ذلك ربما يكون من الأمور التي أخبره بوقوعها، والله أعلم.

قال: وسمّي بالبكّاء لكثرة بكائه.

حكي أنه سئل عن كثرة بكائه، فقال: كنت ببغداد، فرأيت رجلا خرج منها، فتبعته، فلم يكن بأسرع من وصوله إلى عمارة لا أعرفها، فظننتها من قرى بغداد، ودخل مسجدا وصلى فيه الظهر وخرج، وأنا في صلاة السنة، فخرجت، فرأيت وجوها أنكرتها، وبلدا

<<  <  ج: ص:  >  >>