بسيري، ليعلم أنّ الأمر لغيري؛ وإلّا فمن أخذني بالمطارفي هذه الأقطار، والمصار في هذه الأمصار، لولا الشقاء؛ ألم يأتني العمر بهيجا، والرزق نهيجا نضيجا، حتّى آتيه قصدا، وأتكلّف له زرعا وحصدا، وأعارضه شيّا وطبخا، وأعرض له الشّعاب، والجبال الصّعاب، وأنزل بمناخ السّوء؛ لكنّ المرء يساق إلى ما يراد به، لا إلى ما يريد.
أما آن لهذه الأشقاص، أن يتيسر منها الخلاص؟ بعد ما سافرت وسفرت، وناظرت [ونظرت] ، وحفرت وحرثت، ونذرت وبذرت، وزرعت وعمرت؛ حمدت الله كثيرا، ورأيته مغنما كبيرا؛ وإن لم يكن من إتمام القصة بدّ، فلا غنى عن نظر كريم ومهلة، فيها مجال وتسويغ يصلح به فاسد، وقرض يتألف به شارد «١» : [الطويل]
وما كلّ يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك رسول
٦- ومنهم: أبو نصر العتبيّ
«٢» : وهو من أصحاب الغوص البعيد، والمعاني البديعة، واللفظ السّهل، والخاطر الوقاد، والفكر الجوال، والصّوغ اللائق، والورد السائغ؛ لا يماثل بإنسان، ولا يشاكل في خراسان؛ دون كلمه سحر بابل، ونشر كابل؛ لو شاء أوهم الغواني في عقودها، والأغصان في برودها؛ وكان حفظه مع سعة مخيلته، وصفاء مصوّرته وممثّلته؛ وحفظه أحوى من بقاع الرّمل، وأحلى من اجتماع الشمل؛ وفهمه أدقّ من مدارج النّمل تمثيلا، وأرقّ من طبع صافي الماء تخييلا؛ كلمات محكمة بقوة