الشافعي الخطيب، شرف الدين أبو العباس. رجل وجد له إلى الخير ابتعاثا، وجدّ حتى علق الثريا رعاثا «١» . أعرف في فزارة، وأعتق إلى العلم قراره. وسكت فطنا، وسكن العلياء وطنا. ورقي المنابر فكان المنى بروائه، والريّ بأنوائه. فنوّر البصائر، وصوّر ما إليه المرء صائر.
هذا كله مع تجنّب التعقيد، وتسلية الفقيد، والتبصير بالدنيا وغرورها، والتذكير بما ردّ العقول إناثا من عدم سرورها. ولم يزل على هذا حتى صار مثلا من أمثالها العوابر.
وواحدا من سفارها إلى أن حضر المقابر فلا تسمع إلا همسا، ولا تطلع لهم إلى يوم القيامة شمسا.
كان من أكابر العلماء الفضلاء، بصيرا بالفقه، فردا في النحو والعربية ومعرفة اللغة، ضابطا محرّرا خطيبا فصيحا، لسنا كيّسا ظريفا، دمث الأخلاق ممهّد الأكناف. ليس بالجافي اللفظ، ولا بالشحيح، لكن إلى دين متين، وورع زائد، يحب الناس ويحبّونه، ويليهم ويلونه. من أخذ عنه أخذ، ومن أخذ عن غيره أتاه عند الانتهاء ليأخذ عنه، وإن كان في غنى بما حصل؛ تشرفا بالأخذ عنه والانتساب إليه. وكان على رأي أخي العلامة تاج الدين يحضر السماع، ويخرج إلى البساتين والمتنزّهات، ويتمشّى تحت قلعة دمشق، ويقف على الخلق بها.
وربّما قعد كيّسا وتطرّفا من غير كبر يرفعه ولا تبذّل يضعه، ومن كان فوق محلّ النجم موضعه. وكان يحب الوجوه الصباح، ويميل إلى الكلف بالملاح، مع عفاف يشهد به، ويتقرّى الليل عن صاحبه. وكانت تجري بينه وبين أخيه تاج الدين نوادر ما تراشق بمثلها