وحكى لي شيخنا ابن قاضي شهبه، رحمه الله: أنه كان معه مرة في بستان دعي إليه، فأقاموا به يومهم. فلما جاء وقت العشاء قدّمت إليهم أنواع من الأطعمة، منها لبنيّة، فلمّا أكلوا قال رجل هناك لأصحاب البستان: هذه اللبنية مليحة، بيّتوها لنا عندكم إلى غد.
فقال الشيخ شرف الدين:
لا والله لا كيد ولا كرامة بغد، إنها مليحة ما يبيتها إلا أنا ولا تبات إلا عندي.
وحكى لي المحبّر أبو القسم ابن مبشّر الحولاني، قال: لمّا شغرت وظيفة الخطابة بدمشق تطلّع كلّ متعيّن إليها. فقال والدك: مالها إلا الفزاري وعيّنه. فلمّا وصل التوقيع الشريف له بعثني به إليه، وهو لا يعلم، ففرح ثم قال: قل له يا سيدي قد وصلت الوريقة وبقيت الخريقة، يعني الخلعة. فأتيت والدك وبلّغته ما قال فضحك، ثم أمر بالخلعة فعينّت له وجهّزت إليه.
وحكى عنه اليونيني قال: حججت سنة خمس وسبعين وستمئة، فاجتمع في تلك السنة في الحج جماعة من علماء الأقطار: ابن العجيل من اليمن، وابن دقيق العيد من مصر، وأخي تاج الدين الفركاح من الشام في ناس آخرين، فاجتمعوا في الحرم، وكان عبد السلام بن غانم الواعظ قد حجّ من مصر، فجلس تجاه الكعبة المعظمة وحضر أمير مكّة، وأمر عبد السلام بأن يتكلّم، فقال: الحمد لله ذي القدرة التي لا تضاهى، والحكمة التي لا تتناهى، والقسمة التي لا يطيق خلق يتعدّاها. ثم ذكر خطبته، ومنها في ذكر الكعبة المعظمة. فسبحان من شرّف هذه البنيّة واصطفاها، وجعلها حمى لمن حول حماها، وحرما آمنا لمن وفّى عليه لما وافاها، ووجهة لمن واجهها اتجاها، وأراد عندها جاها فهي التي هاجر منها الحبيب وما هجرها ولا قلاها، وما انقلب قلبه إلى قبلة سواها حتى أنزل عليه جبريل في آيات تلاها: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها «١» .