منقب عن البيان، يكشف خباءه ويبعث له في كل معنى نشاءه، وينفث فيه روحا كأنه يحس لكل فكرة نباءه، ويفتق أكمام الأدب فقل كزرع أخرج شطأه، له سرّ دقيق فتن الناس، وخمر رحيق يذهب بالباس، لا كالتي تدخل بالالتباس على الحواس، وسحر يستلذه الذوق وينقطع عنده القياس، لو أن للدهر رقته لان قاسيه، أو للجافي ذكر العهد ناسيه، أو للأمل ألقى إلى قبضة اليد مراسيه، وما أعيره شهاده، ولا أميره الحسنى إلا امتاز بزياده.
وكانت بضاعته من الطب غير مزجاة، وصناعته تحقق للمتطبب ما يترجاه، لفضل تجلبب بشعاره، وجلب زيادة الحكمة إلى إشعاره، وعلو همته إلى علومها، وقراءة مادة كل علم على عليمها، إلى أن جنى ثمر الفنون، وجرّب كل شيء ولم يقدر على دفع المنون، وكان له في صناعة الكتابة ارتزاق، وبئست بضاعة أرزاق، إلا أنه لم يقدر عليه بها قوته، وما كان للمرء لا يفوته، وبقي على تعلّاته واختلاف علّاته، إلى أن أتاه هادم الأعمار، ووافاه قادم الموت مبسوط الأعذار.
قال ابن أبي أصيبعة:" هو الأستاذ السيد الجليل «١» أبو الفرج علي بن الحسين ابن هندو. من الأكابر المتميزين في علوم الحكمة، والأمور الطبية، والفنون