الكاتب، أبو الفرج. رجل طالما يقضي النهار وفرعه مهزوز، ويسهر الليل وبرقه كأنه عمود فضة محزوز، فأنهز للفضائل أوداجا، وكاشف الدجى وقد داجى ولم يزل يعري عن منكب الليل دواجا، ويساقط لؤلؤ الفرقدين أزواجا؛ إلى أن أصبح اسمه مثلا مضروبا، وعذبه الزلال منهلا مشروبا، ولهذا كل ذي قدم في البلاغة لا يشبه إلا بقدامه، ولا يقاس به الصابيّ ابن هلال فتجيء منه ثلامه. وناهيك برجل سعى صيته بين الخافقين، ووسع جنباه مثل النيل والفرات الدافقين. وطال الأمد عليه؛ وقد بلي جسده، وذهبت رحمته وحسّده.
والألسنة بذكره لهجة، وفضائله؛ وإن لم تهبّ من كراه مبتهجة.
كان نصرانيا وأسلم على يد المكتفي بالله، وكان أحد البلغاء الفصحاء والفلاسفة الفضلاء، وممّن يشار إليه في علم المنطق. وحضر مجلس الفضل بن جعفر ابن الزيّات، وقت مناظرة أبي سعيد السيرافي، ومتّى المنطقي سنة عشرين وثلاثمئة. ومات سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة.
قال صاحب بغية الألباء: بلغني أن بعض متعاطي الأدب شرح المقامات الحريرية، فقال عند قوله، ولو أوتي بلاغة قدامة: إن قدامة بن جعفر كان كاتبا لبني بويه. قال: وجهل في هذا القول؛ فإن قدامة كان أقدم عهدا، وهو المذكور البغدادي من أهل الفضل، عالم الأدب، أدرك زمن ثعلب والمبرّد وابن قتيبة وطبقتهم.
وذكر شيخنا أبو الثناء الكاتب في التوشيح، قال: وقال قدامة: هو أن يكون في أول البيت معنى، إذا علم علمت منه قافية البيت؛ بشرط أن يكون المعنى المقدم بلفظه، كقول الراعي النميري:[الوافر]