جدّ المعزّ بن باديس، جارية طار بلبها الهوى، وطاف بقلبها الجوى، ورمى بها الإغراب مراميه، وأطال بها النوى لياليه، حتى سارت بتشتيت الفراق، وصارت إلى المغرب من العراق، ثم كانت لا تزال تتذكر نادي ذلك الفريق، وتنادي بلسان عرابها (؟) نار ذلك الحريق، وتتلفت إلى العراق، وظل ريفه الظليل، ومبسم مرآه الجميل وظبائه الجآذر، ولها بينهم مقيل فنان حسرة بين عوادها، وتبكي وإنما بدلت قطعة من فؤادها، إلى أن عادت بلطيف الحيلة، إلى أكناف تلك الجميلة، فذهب بحق صبابتها باطلة، والتقى كل ذي دين وماطله.
وحكي أن أبا الحسين ابن الأشكري المصري قال: كنت رجلا من جلاس الأمير تميم بن أبي تميم وممن يخف عليه، فأرسل إلى بغداد فابتيعت له جارية فائقة رائقة الغناء، فلما وصلت إليه، دعا جلساءه، قال: وكنت فيهم ثم مدّت السّتارة وأمرها بالغناء، فغنت:[الكامل]
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألف موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه وصده أشجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه