برز في تصاريف العقلاء، وتبرأ من تكاليف الثقلاء، واطّرحت الخلفاء معه الاحتشام، وجعل بوارق السرور متى لاح تشام، وكان قمر تلك المجالس وقمري تلك الرحاب الأوانس، لا ترقل ركائب المدام إلا على حدائه، ولا تطل حدود الكؤوس إلا بإدنائه، تترنح به المعاطف، ترنح الاغصان بالنسيم، وتهتز القلوب اهتزاز المفارق للمعهد القديم.
قال أبو الفرج، قال ابن حمدون [ص ١٠٦] قال لي عثعث: دخلت يوما على المتوكل، وهو مصطبح وابن المارقي يغنيه شعره:«٢»[الطويل]
أقاتلتي بالجيد والخدّ والقد ... وباللون في وجه أرقّ من الورد
وهو على البركة جالس، وقد طرب فاستعاد الصوت مرارا، وأقبل عليه، فجلست ساعة، ثم قمت لأبول فصنعت هزجا في شعر البحتري يصف البركة:«٣»[البسيط]
إذا النجوم تراءت في جوانبها ... ليلا حسبت سماء ركّبت فيها
وإن علتها الصّبا أبدت لها حبكا ... مثل الجواشن مصقولا حواشيها
قد زانها زينة من بعد زينتها ... إن اسمه حين يدعى من أساميها
فلما سكت ابن المارقي مستوفيا، اندفعت أغني هذا الصوت، فأقبل علي