ثلاث مرات حتى عرفت مقاطعه وفهمته وصح لي، فأخذته وعدت إلى مجلسي وأنا مسرور «١» ، وغمزت عقيدا ومخارقا فقاما وتبعهما، فألقاه عليهما، وابن جامع لا يعرف الخبر، فلما عاد إلى المجلس، أومأت إليهما أسألهما عنه، فعرفاني أنهما أخذاه، فلما بلغ الدور إلي كان الصوت أول ما غنيته، فحدد الرشيد نظره إليّ، ومات ابن جامع وأسقط في يده «٢» ، فقال لي الرشيد: من أين لك هذا؟
قلت: أنا أرويه قديما، وقد أخذه عني مخارق وعقيد، فقال: غنياه، فغنياه، فوثب ابن جامع، فجلس بين يديه، وحلف بالطلاق ثلاثا أنه صنعه في ليلته الماضية، ما سبقه إليه أحد من الناس، فنظر إليّ الرشيد فغمزته بعيني أنه صدق، وجدّ الرشيد في العبث به بقية يومه، ثم سألني بعد ذلك في الخبر فصدقته، فجعل يضحك ويقول: لكل شيء آفة، وآفة ابن جامع الزف. ومن مشهور صنعته في طريقة الرمل:«٣»[البسيط]
بان الحبيب فلاح الشيب في راسي ... وبتّ منفردا وحدي بوسواس
ماذا لقيت فدتك النفس بعدكم ... من التّبرّم بالدنيا وبالناس
لو كان شيء يسلّي النّفس عن شجن ... سلّت فؤادي عنكم لذّة الكاس
ما دارت الكأس إلا كان ذكركم ... مجاز كأسي وأنسي بين جلاسي