فأمّا من وقع بمصر منهم وأمثالهم. ومنهم جمال الدين بن المكرّم، وهو من ولد رويفع بن رفاعة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، مقيم لأثره إحسان ومقيل لعثرة لسان. حصل على شرف لا ينال، وطرف دونه النجم في المنال، ولم يتخذ سوى الليل سميرا، ولا غير طلب العلم ضميرا، فلم يذق النوم إلّا عرارا «١» ولا عرف الليل إلّا سرارا «٢» ، وكتب على عينه السهر ومنادمة الكواكب إلى السحر فأحيا الليالي، وقد مات حنين النهار في أحشائها، وذهب لجين الصباح في ذهب غشائها. وتوقّد وقد أطفئت شعلة المريخ، ولم يحصل شفق النهار إلّا على التلطيخ، فكتب أوقارا، وذاب ليلا ونهارا حتى كفّ بصره، وثنى عنانه مقصره على أنه كان مولعا برضاع الكؤوس ورضى الكاعب العروس. وولي التتار حين غلبتهم، وجرى معهم في حلبتهم، ثم ذهب وكان يقال: إنه يكون منظرا، ووجدوا ما عملوا محضرا، وكان أبوه جلال الدين مكرم ممن له اتصال بخدمة الملك الكامل وحضور في مجلسه الخاص كالنديم له، وكان من ذوي المروءة والعصبية كثير العناية بالناس، وقضاء حاجة ذوي الحاجات، ودام على هذا إلى الممات وفيه قيل:[مجزوء الكامل]
قالوا المكرّم قد مضى ... قلت السّلام عليك مصر
ما بعد يوم مكرّم ... للفضل إمّا عاش عذر
ونشأ ولده وقرأ وتأدب، وصحب شرف الدين أبا العباس التيفاشي، وأخذ عنه واستمد منه وألّف كتاب سرور النفس مما كان التيفاشي جمعه، وضنّ به فما أبرزه من خدره ولا أطلعه. هو كتاب ممتع، وفيه لأهل المحاضرة مقنع. وكتب جمال الدين بديوان الإنشاء بمصر،