٥٤- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر
الطيبي، الأسدي، أبو علي، شمس الدين، ردنه ينفح طيبا، وفنه بل فتنه يهتز رطيبا. جاء من بلاد الطيب مملوء الحقائب، موفور الركائب. يساجل بطيبه الأطايب، ويضمخ لمم المفارق عنبره الذائب، ويغلّف مسك نقشه رأس الطرس الشائب. يعرف نفسه الطيبي، ويغرق في مسكيّ شعاره الخطيبي، بدائع طيبيّ أخملت ذكر أبي الطيّب، وأذوت غرس ابن نباتة بتوالي غيثها الصّيّب، وجعلت ورد الأبيوردي لا يضر بجعلي، وزهر زهير المتقدم والمتأخر هذا جفّ وهذا بلي، بكلّ عقيلة طائره تمسي الغوالي نسال رياشها، وطائلة تضحي فتيت المسك فوق فراشها. نتيجة فكر تخرج اللآلي إذا جرت بحارها، ونبت قريحة تشيب نواصي المسك إذا وقدت بالمندل الرطب نارها. بديهة إذا وعتها المسامع انتشت، وإذا جازت بأودية الخواطر تضوع طيبا بطن نعمان إذ مشت، إلا أنها ذات أرج كقهوة الديرانيّ تعرف بشميمها، وزجاجة أبي الهندي ينمّ شذاها على نديمها، وروضة الصنوبري يفاوح مغضوض الحقائب مسكها، ومليحة الكندي قلتها وهي مسك هتكها، وكأس أبي نواس والنجم قد تصوّب، ومحبوبة امرئ القيس كلما جاء طارقا وجد بها طيبا وإن لم تطيّب. لو حلّت فيما سلف في المطيّبين من آل عبد مناف، لما استطاعت أن تتعاقد عليهم الأحلاف، ولا ذعنت اللعقة للتحكيم، وغمست أيديها في الطيب من جفنة أم حكيم.
ورد الطيبيّ هذا دمشق، ونزل بها على ابن عمّنا القاضي جمال الدين (١٩٩) أبي محمد، يوسف بن رزق الله العمري، واتصل به اتصال الطيّب باللمم، واتصف بصنائعه اتصاف الروض الأريج بالديم، وأوصله إلى والدي- رحمه الله- فاستكتبه في بعض الثغور، ولم ينتظر له الشغور، وأطلع كواكبه إلا أنها التي لا تغور. ثم نقله إلى طرابلس، فدام في كتاب الدرج بها حتى مات،