وغابت شمسه فجاءت الظلمات، وكلّ كلمه طيب الأرج، إلا أن نظمه أعبق، ونوافحه في المسام أعلق، وشذاه من بلد الطيب حيث تشام أعرق.
وكان لا يزال مائلا بنشوة، ومائلا مع نسوة، وقائلا في ظل كرم أو قهوة، ومنجدبا بين مهبّ صبا أو صبوة. لم يتعظ بنذير المشيب، ولم ينقّ بياضه من دنس المعيب. مدمنا في الكؤوس، يحثّ أدوارها، ويحلّ من الدنان المشدودة المعاقد إزارها، ويصرف فيها دراهمه بالذهب، ويتلقاها له بالمبزل ساق توشّح بالمنديل حين وثب وبرهن لديها روحه، فيعجز عن فكاكها، ويدخل إليها فتصيده فواقع الحبب في شباكها، وكان على ما يصل إليه من غمرة هذه السكرة، ويقع عليه في مظنه ما يكره. لا يغيب له ذهن خاطر، ولا يغيم له أفق ماطر. وما عرف في عمره يوم صحو، ولا فرق له بين إثبات ومحو، حتى لقد حكى لي من كان يحضر عنده على تلك الحال، التي يعشى دونها طرف الأعشى، ويقلع الوليد ولا يخشى، وينكل ابن هرمة خوفا من أمير المدينة لا يغشى. لا يزيد ذهنه إلا حضورا، وفهمه إلا أن يقدح من ذات الشعاع نورا.
وأدبه الطيبي إلا أن يدير كأسا كان مزاجها كافورا، وكلمه الطيب إلا أن يفتح لمصعدها سماء السماع ومدامته العاطرة الأرج، إلا أن يتقسمها شعاع الشعاع وشجرته الفارسية إلا أن يتفتح وردها.
ونسبته الأسد إلا أن يهاجم وردها، وأنديته المنسوبة إلى الطيب، إلا أن يشبّ ندها ويشيب بأهواله ندها.
ومن بديعه الذي طار في كل جمع، وطاف بكأسه على كلّ سمع، كلمته نوبة مرج الصفر، حين نصر سلطاننا الملك الناصر على جيوش السلطان محمود غازان، وهي القصيدة التي أغنته أن يغزو، وتركته وما (٢٠٠) شهد القتال بالأبطال يهزو. وهي الفائية الفائتة شأو كلّ قريحة، البائتة لا تني عن السّرى