لهم الدهر عشاياه، وصاد ورقهم الساجعة، بازيّ الحمام المطل، وشبرق ثوب الشفق بدمهم سبع منونهم المطل، وها هم الآن كما رأيتهم أرواحا، يتصوّر بالتمثيل عيانهم، وتفضّ من مدارج الصحف أكفانهم.
وها أنا الآن أذكر من بقي من شعراء الجانب الشرقي ممن هو حي موجود، هم على آثار سبقهم مجدون، ولسلف موتاهم ممدون، وما نحن إلا مثلهم، غير أننا أنخنا قليلا بعدهم وتقدموا. فنسأل الله أن يكشف غطاء قلوبنا، ويرشدنا لما فيه صلاح أمورنا، إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة.
فأمّا من وعدت بذكرهم من الأحياء الموجودين، فأقول وبالله التوفيق:
ومنهم:
٦١- عبد العزيز بن سرايا الحلّي، أبو الفضل، صفيّ الدين «١٣»
التاجر، ملء فكيه لسان، وحشو لحييه إحسان، وبين جنبيه بحر إلا أنه إنسان، ولا بس برديه شاعر ولكنه حسّان. وزن به بلديّه الحلي فخفّ راجح، وقرن به سلم فسلّم أن الخاسر غير رابح. لو نازع الحكميّ لحكم له عليه من أجمع، أو السّلميّ لعلم من منهما أشجع. وله شرف نفس يرى الجوزاء دون مرامه، والبدر أقلّ من تمامه. أخذ ثأر خاله وقد قتل قهرا بيده، وابتزّ دمه من مخالب الأسود قسرا بمهنده، ولم ينفق سوقه على السوق، ولا لبس عقائله إلا الحرير وحاشاه من السوق. ولم يتخذ من الشّعر سببا، ولا علق لأطماعه (٢٢٦) بأوتاد طينا، ولا رضي لفواضله من فواصله مكسب، إلا ما جاء من عفو إنعام الملوك هنيئا بلا