أبو الطاهر إسماعيل، وكان قد أوصى إليه أبوه بقصد مصر واستضافتها، وإعداد القرى لقري إضافتها، فشغلته الفتن التي قامت بأفريقية واستأصلت [ص ٥١] لولا عوارضها المستبقية، فإنها ثارت ثوايرها في كل قطر، وطارت بواترها في ظل السيوف البتر، وكان جهد المنصور أن يرقع خروقه، ويخيط بإبر الرماح فتوقه، ولم تعدّ همّته قدر الاستصلاح، ولم تعل عزمته على الدفع بالراح، وكان أقصى اجتهاده أن يذود عن حوضه الغرائب، ويذوب خوفا يخرج من بين الصلب والترائب، إشفاقا على ملكه من تجاذب الأطراف وتجابذ الأطراف، خشية أن ينتزع، وحذرا من قاصد بسيفه أن يزع.
قال ابن سعيد: وهذا المنصور مشبّه بالمنصور، لأن كلا منهما اختلت عليه الدولة، وأصفقت عليه الحروب، وكان يسلّ من الخلافة، فهبّ له ريح النصر، وتراجع له أمره حتى لم يبق مخالف، وحين [أراد] لبنيه ختانا لم تسمو همّة ملك إليه «٢» ، أمر بأن يكتب له أولاد قواده وأجناده، وسائر رجاله وعبيده وأهل بلاده، وكساهم وكانو زهاء مائة ألف، ثم فرّق فيهم أموالا جزيلة وبدأ بالختان