للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل والخيل والبيداء مصاحبا، بعزم لا يقصف سمهريّه، ولا يقصى عن عاتقه مشرفيّه، وكان قد وجّه إلى بغداد قصيدة يفخر ببيته، ويسمع بها مبلغ صوته، ويذكر فيها ما فتح من البلاد التي ملك، وقدح بسنابك جياده في كلما سلك، فأجابه الصولي بقصيدة على وزنها ورويها، بصّر بحسنها ووريها، وصبر القائم على منافذ طعانها، ومآخذ لعانها، وكان منها قوله:

[الطويل]

ولو كانت الدنيا مثالا لطائر ... لكان لكم منها بما حزتم الذّنب

وسيأتي ذكر هذا البيت في موضعه من الإنصاف بين المشرق والمغرب، فحرّك هذا همّة القائم بالله على قصد جهة المشرق، [وقال] : والله لا أراك حتى أملك صدر الطائر ورأسه إن قدرت، وإلا أهلك دونه، فكابد على مصر من الحروب أهوالا، وجاهد فيها رأيه وأنفق أموالا، ومات ولم يظفر بحضرتها، ولا اقتات طرفه بنظر نضرتها، مع كونه عاث في أطرافها، وعام في بحرها العباب وما التحف بطرفها.

حكى مؤلف الكنوز: أنه اشتد حزنه على موت أبيه، وأقام مدة يخفيه، ولم يرق بعده شهرا، ولا ركب من قصره مذ صار إليه الأمر إلا مرتين، مرة صلى على جنازة، ومرة صلى بالناس العيد، وبدأ أمره بأن أمر عماله بعمل السلاح، والاستعداد للقاء، وجهز بعوثه إلى بلاد فاس وما حولها من بلاد المغرب، فدوّخها، ومولده بسلمية سنة ثمان ومائتين، وبويع يوم أبيه، وتوفي يوم الأحد ثالث عشر شوال سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وسبعة أشهر.

ثم ابنه:

<<  <  ج: ص:  >  >>