نأكل، فدخل إلينا، فلما رآنا نأكل خاصمنا وقال: أهكذا يفعل الناس؟ تأكلون ولا تطعموني، وجلس معنا في الكنيف يأكل كما نأكل حتى فني ذلك.
قال إسحاق: غنّى سليم يوما وبرصوما يزمر عليه بين يدي الرشيد، فقصر في موضع صيحة، فأخرج برصوما الناي «١» من فمه ثم صاح: يا أبا عبد الله، صيحة أشد من هذا، فضحك الرشيد حتى استلقى. قال إسحاق: وضحكت أنا ضحكا ما أذكر أني ضحكت قط مثله.
قال محمد بن الحسن: إنما أخّر سليما عن أصحابه في الصنعة ولعه بالأهزاج، فإن ثلثي صنعته هزج، وغنى سليم بين يدي الرشيد ثلاثة أصوات من الهزج فأطربه، فأمر له بثلاثين ألف درهم، وقال: لو كنت حكم الوادي ما زدت على هذا الإحسان في أهزاجك شيئا.
٥١- ابن عبّاد الكاتب «٢»[ص ١٣٦]
جمع الصنعتين فأبدع، وفاق فيهما لكنه سرّ من رأى دون سروره من استمع، كان في الغناء للقلب خالبا، وللب سالبا، وللسرور جالبا، وللهم الذي شد خناقه على الصدور غالبا، وله طرف تحكى، وغرائب تروى، آثار تنقل، وأصوات تطرب.