لخمسة فنون كان يحسنها، ويأخذ منها بطرف جيّد وإن كان لا يتقنها، فكان كاتبا بذّ، وشاعرا من ذاق شعره استلذّ، وأديبا أدبه مثل قطع السّحاب إذا رذّ، وجدليّا ما أخذ بطرف مباحث إلّا جذّ، ومنجّما أتقن أحكام النجوم إلّا ما شذّ، هذا على أنّه إنّما يتقن نكته الأدبية فإنّها النجوم الزاهرة، ويتكلّم بالعلوم الباطنة على أحكامها الظاهرة، وكان طبّاخا مجيدا لا تعدّ ألوانه «٢» ، ولا يمدّ الّا بين سماطي الملوك خوانه، وله بدائع في وصف المواقد والنيران وألوان الطعام، ولم يحضرني في هذا الوقت ولا ديوانه، وإنّما غلب عليه الشعر حتى عرف به دون بقية ما يعرفه، واشتهر بنقده ممّا كان مثل الذهب الإبريز يصرفه بلطف لو دبّ ماؤه في الخدود لصبغها، أو جال في مراشف الكؤوس لسوّغها، وكتب فأراش السهام وبراها، وطيّب الأفهام فأبراها، وصبّ الأقلام في نحور الرماح فدراها، وأصدر الأعلام إلى مواقف النّصرة كأنّه على معاقد البنود قراها ببصيرة درّية، وبديهية على اختلاف المعاني جرّية، ومسدّدات من الآراء يزيل بها الظنون شبهها/ ١٣٣ وتستحلب النّعم سبهها لإدارة تجلو عن مقل الأسنّة مرمها، وسعادة كانت تأتيه من قبل أمور كثيرة ولو كرهها، فهو لجّ والبحر شاطئه، وكواكب وما النجم إلّا ما هو يواطئه وكثيرا ما نحل إليه السريّ الرّفاء ممّا ينسب إلى الخالديّين بنات أفكاره. ومن جيّد ما وقع لي من صالح أشعاره قوله:[المجتث]
بي منك ما لو وزنت أيسره ... بما على الأرض كلّها وزنا «٣»