وكانت لا تعدل بها امرأة، ولا تذكر بقبيح إلا كانت عنه مبرأة، وكانت جارية لامرأة بالقاهرة، علّمتها الخط وحفّظتها القرآن، وعلمتها النحو واللغة والأدب، وروّتها الأشعار، ووفّرتها على تصفح الأخبار، وأخذتها بصناعة الغناء، حتى فاقت كل جارية كانت تسمى، ولا تماثل بها ظلوم وأمثالها إلا ظلما، ورءاها العزيز زمان أبيه فهوي بها ولم يقدر على ملك رقها خوفا من أبيه، حتى ملك السلطنة ووليها، وكانت بينهما مدة حياة أبيه مراسلات وأشاير وعلامات وأماير.
حكي أنها أهدت إليه مرة أكرة من العنبر فيها زر من الذهب، فلم يفهم معناه، ولا كشف معمّاه «٢» ، فأخبر الفاضل وكان لا يكتمه من أمره حاضرة ولا غائبة، ولا آئبة ولا ذاهبة، فأنشده الفاضل:[السريع]
أهدت لك العنبر في وسطه ... زرّ من التّبر خفي اللحام
والتّبر في العنبر معناهما ... زر هكذا مختفيا في الظّلام
وكتبت إليه مرة أخرى رقعة تعرض عليه فيها أن يشتريها، وكتبت في أولها قول [ص ٤١١] ابن الرومي: «٣»[المنسرح]
كثّر بشخصي من اصطنعت من الن ... اس وإن لم أزنك لم أشن «٤»