ولقد رأيت جماعة من أصحابه وكلّهم فضلاء، وكل واحد يقول: ما يتقاصر الشيخ أبو علي الشلوبيني عن الشيخ أبي علي الفارسي، ويغالون فيه مغالاة زائدة. وقالوا: فيه مع الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة؛ حتى قالوا: إنه كان يوما على جانب نهر وبيده كراريس، فوقع منه كرّاس في الماء، وبعدت عنه فلم تصل يده إليها ليأخذها، فأخذ كراسة أخرى وجذبها، فتلفت الأخرى بالماء. وكان له مثل هذه الأسباب الدالة على البله.
وشرح المقدمة الجزولية شرحين كبيرين. وله كتاب في النحو، سمّاه التوطئة. وكانت إقامته بإشبيلية، وأخباره متواصلة إلينا، وتلامذته واردة في كل وقت، وبالجملة؛ فإنه على ما يقال كان خاتمة أئمة النحو، وكانت ولادته بإشبيلية سنة اثنتين وستين وخمسمئة، وتوفي في آخر الربيعين، وقيل في صفر سنة خمس وأربعين وستمئة بإشبيلية «١» .
ومنهم:
١٥- أبو القاسم المغربي «١٣»
وهو محمد بن أحمد بن الموفق الأنصاري الأندلسي المرسي. رجل حظّه موفور، وسعيه غير مكفور. ركب البحر من بلده حين ضاق به جانب ذلك البرّ، وساءه طول المقام وأضرّ؛ فطارت به فتحا لا يردّ من جماحها، ولا يعد فضل جناحها. سمت به في أمواج كالجبال، وأفواج كقطع الجمال؛ حتى ألقاه البحر إلى الساحل، وآذى به السفر المراحل. وجعل الشام دار مقامه، ودواء أسقامه، ثم رحل مشرقا وجمع شتيت العلم مفرقا. وكان لا يعدّ الغربة إلا وطنه، والغلّة «٢» إلا إذا ورد ماء بلده، أو سكنه. وهو معدود في أهل الحديث الشرقي؛ إذ قدم إليه أول ما عنّ تمائمه وريش قوادمه.