كتب الإنشاء بماردين، وخدم ملوكها عدد سنين. وكان صاحب قلم أبقي البيان في روعه، وأبقى الإحسان في نوعه. لكنّه ممّن رجحت كفّة شعره في الوزن، وصلحت نفائس درّه للخزن. ولما ماج طوفان التتار بديار بكر، غرق في سيلهم العرم، وتقطّع بسيف موجهم المزدحم. واستتر فما نفعه الاستتار، وحذر وأبى الله إلّا أن يقتل بسيوف التّتار. وأنشد له ابن سعيد:«١»[الكامل]
تعلّقته أمّيّ حسن فما له ... أتى بكتاب ضمنه سورة النّمل «٢»
ومالي أنا المجنون فيه وشعره ... إذا مرّ بالكثبان خطّ على الرّمل
وأنشد له:«٣»[الكامل]
فمتى تقوم قيامتي بوصاله ... ويضمّ شملينا معاد شامل
وأكون من أهل الخطايا؛ خدّه ... ناري، وصدغاه عليّ سلاسل
(٩٠) وحكى لي بعض أصدقائه: استدعاه إلى مجلس شراب، ومكنس غزلان وأتراب، على أنّه يأتيه صبيحة عنده، ليقضوا يومهما في لذّة العيش ورغده، وقدّم إليه الوعد من العشاء، والليل تزهر نجومه، ويصابر السّهر نومه.
فلما نصّف الليل، جاءت السّحب ترقص في أعنّتها، وأصليت سيوف البروق للنجوم وأسنّتها. فأصبحت الأرض قارورة، وقطعت عن الجماعة في الفرض