فغنيته إياه، ولم يزل يطلب مني صوتا بعد صوت من صنعتي فأغنيه ويستعيده، ويشرب هو والرجل، وأسقى بالأنصاف المختوتة «١» إلى أن صلوا العشاء [ص ١٦٨] الآخرة، ثم أومأ إلى الخادم فقمت، فقال لي صاحب القباء منهما: أتعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا إسحاق بن إبراهيم الطاهري، وهذا محمد ابن أسد الخناق، والله لا بلغني أنك تقول رأيتني لأضربنّ عنقك، انصرف، وخرجت، ودفع الخادم ثلاث مئة دينار، فجهدت أن يقبل منها شيئا على سبيل البرّ، فلم يفعل.
٦٧- إسحاق الموصلي «٢»
رجل تعقد عليه الخناصر، ويعتد عليه الناصر، علم منوع ويمّ لا يخلو من الإخلاطة بكل مشرع، أخذ من كل فن ظرفا، وعلا على كل فضل شرفا، حتى كان يعدّ القضاء وناظر العلماء، وأبكى بغلبة الجفون دماء، وكان يربأ بنفسه إلى أن يدخل على الخلفاء مع أهل الفقه، ويختلط بهذا الشبه، وبرع في الأدب وأفانينه، وغنى بالشعر وتحسينه، وخلف وراءه السباق، وفي حسن نظمه وتحسينه، وحلّ من الرشيد فمن بعده من الخلفاء محل الأصفياء، وفازوا منه