للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين! أنت رجل فقير مهما حضر قنعت به، شارك الكل وكل معهم.

وحدّثني شيخنا نجم الدين موسى بن علي الكاتب المجوّد، عرف بابن البصيص، فيما يحكي عن أبيه قال: كان شخص من أبناء الأمراء عند أبي في المكتب، يتعلم الخط، فلما خرج من المكتب، سمع الحديث، وتفقّه، وكان له ذكاء، وعنده قابلية واستعداد، فبرع، ثم إنه جاء يوما إلى أبي إلى المكتب ليزوره ويوصيه بأخ له صغير، كان قد أتى به إليه ليعلّمه، فجلس إلى أبي، وشرع يحدّثه، فجرى ذكر الشيخ الحريري، فأخذ ذلك الشاب يقع فيه ويقول: رجل مبتدع صفته نعته، وبالغ في ذكره بالسوء، فما أتم كلامه إلا وقد أقبل الشيخ في خلق من أصحابه، فوقف على المكتب، ونظر إلى ذلك الشاب ثم قال له: دع كل شيء كنت فيه، وخلّ هذا الفشار من رأسك، وقم انزل.

فقام الشاب إلى الشيخ، وقبّل يده، فطلب الشيخ مقصا ثم قصّ شعره، وألبسه طاقية على رأسه، وثوبا من ثياب الفقراء، ثم مشى الشيخ، فمشى الشاب معه، ثم صحبه صحبة كانت إلى آخر العمر.

ومنهم:

٦٢- عيسى بن أحمد بن إلياس بن أحمد اليونينيّ «١٣»

جلا الرتب ومزّقها، ومحا بصباح جبينه الأهلّة ومحقها، صام الهواجر، وقام الليالي الطوال مغرورق المحاجر، وأنينه أنيسه، وجلوسه منفردا جليسه، فأنس بالله دون خلقه، وجلس في كسر بيته لأداء حقه، وعمل لجنّة يدوم نعيمها، وتهبّ بحياة النفوس نسيمها، وفرّ من النار فرار الآبق، وقرّ به القرار ودمعه السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>