جارية «٢» لم تكن أيام وصلها هي العيش لما سميت رغدا، ولا جعلت لليوم غدا، متعت القلوب بصفاتها، وجمعت بين العيون وإغفائها (؟) ، ووصلت إلى البقية الأموية، وقد سلبوا رداء الخلافة، وقربوا من [ص ٣٨٣] ردى الهلك، فأحيت الذماء، وأحرزت الدماء، فكانت تضيء في مجالس القوم إضاءة الشّمع المتقد، وتجلس من تعنت المنتقد، إلا أنها كانت حاكمة على المغيرة، لو كلفته بذل نفسه لما بخل، أو ألجأته إلى ما دخل فيه الوليد لدخل، حتى كادت تكون المبيرة، وتنهب غاراتها لبّ المغيرة، ويحكى عنها كمال أدب كانت أتقنته، وإتقان طرب حسنته، وتمام جمال أوتيت منه أوفر الحظوظ، وأوفى ما يرى من الحسن الملحوظ، وفضل أدوات وإجادة في شعر وأصوات.
شعرها الذي لحنته [الخفيف]
أين أيامنا بجلق أينا ... كان ذاك الزمان للدهر عينا
شتتونا وأسهروا كل عين ... لا تهنّا العادي ولا قر عينا
ومن أصواتها المشهورة «٣»[الطويل]
إذا قمن أو حاولن مشيا تأطرا ... إلى حاجة مالت بهن الروادف
فلما هممنا بالتفرق أعجلت ... بقايا اللبانات الدموع الذوارف
فأتبعتهن الطرف متّبل «٤» الهوى ... كأني يعانيني من الجن طائف
وكل الذي قد قلت يوم لقيتكم ... على حذر الأعداء للقلب شاعف